كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} وَقُلْنَا لَهُمْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ: خُذُوا مَا أَعْطَيْنَاكُمْ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ بِقُوَّةِ عَزِيمَةِ وَعَزْمٍ عَلَى احْتِمَالِ مَشَاقِّهِ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيْ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ أَوَامِرَهَا وَنَوَاهِيَهَا، أَوِ اعْمَلُوا بِهِ لِئَلَّا تَنْسَوْهُ- فَإِنَّ ذَلِكَ يُعِدُّكُمْ لِلتَّقْوَى وَيَجْعَلُهَا مَرْجُوَّةً لَكُمْ، فَإِنَّ الْجِدَّ وَقُوَّةَ الْعَزْمِ فِي إِقَامَةِ الدِّينِ يُهَذِّبُ النَّفْسَ وَيُزَكِّيهَا، وَالتَّهَاوُنَ وَالْإِغْمَاضَ فِيهِ يُدَسِّيهَا وَيُغْوِيهَا {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (91: 9، 10).
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} هَذِهِ الْآيَاتُ بَدْءُ سِيَاقٍ جَدِيدٍ فِي شُئُونِ الْبَشَرِ الْعَامَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِدَايَةِ اللهِ لَهُمْ، بِمَا أَوْدَعَ فِي فِطْرَتِهِمْ، وَرَكَّبَ فِي عُقُولِهِمْ مِنَ الِاسْتِعْدَادِ لِلْإِيمَانِ بِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَشُكْرِهِ، فِي إِثْرِ بَيَانِ هِدَايَتِهِ لَهُمْ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ، وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ فِي قِصَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَالْمُنَاسِبَةُ بَيْنَ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ ظَاهِرَةٌ؛ وَلِذَلِكَ عَطَفَ عَلَيْهِ عَطْفَ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ، أَوْ سِيَاقٍ عَلَى سِيَاقٍ، قَالَ تَعَالَى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ الظُّهُورُ جَمْعُ ظَهْرٍ وَهُوَ الْعَمُودُ الْفِقْرِيُّ لِهَيْكَلِ الْإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ قِوَامُ بِنْيَتِهِ، وَمَرْكَزُ النُّخَاعِ الشَّوْكِيُّ الَّذِي عَلَيْهِ مَدَارُ حَيَّاتِهِ، فَيَصِحُّ أَنْ يُعَبَّرَ بِهِ عَنْ جُمْلَةِ وُجُودِهِ الْجَسَدِيِّ الْحَيَوَانِيِّ، وَالذَّرِّيَّةُ سُلَالَةُ الْإِنْسَانِ مِنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، قَرَأَ نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ {ذُرِّيَّاتِهِمْ} بِالْجَمْعِ وَالْبَاقُونَ بِالْإِفْرَادِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ؛ فَإِنَّ الْمُفْرَدَ الْمُضَافَ يُفِيدُ الْعُمُومَ، وَرَسْمُهَا فِي الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ وَاحِدٌ، وَقَوْلُهُ: {مِنْ ظُهُورِهِمْ} بَدَلٌ مِنْ {بَنِي آدَمَ} بِمَعْنَاهُ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ بَدَلُ الْبَعْضِ مِنَ الْكُلِّ، وَهُوَ الظَّاهِرُ إِذَا لَمْ يُرِدْ بِهَذَا الْبَعْضِ ذَلِكَ الْكُلَّ، وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: هُوَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ.
وَالْمَعْنَى: وَاذْكُرْ أَيُّهَا الرَّسُولُ فِي أَثَرِ ذِكْرِ أَخْذِ مِيثَاقِ الْوَحْيِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ خَاصَّةً، مَا أَخَذَهُ اللهُ مِنْ مِيثَاقِ الْفِطْرَةِ وَالْعَقْلِ عَلَى الْبَشَرِ عَامَّةً، إِذِ اسْتَخْرَجَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ذُرِّيَّتَهُمْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ، فَخَلَقَهُمُ اللهُ عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ، وَأَوْدَعَ فِي أَنْفُسِهِمْ غَرِيزَةَ الْإِيمَانِ، وَجَعَلَ مِنْ مَدَارِكِ عُقُولِهِمُ الضَّرُورِيَّةِ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ لابد لَهُ مِنْ فَاعِلٍ، وَكُلَّ حَادِثٍ لابد لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ، وَأَنَّ فَوْقَ الْعَوَالِمِ الْمُمْكِنَةِ الْقَائِمَةِ عَلَى سُنَّةِ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبِّبَاتِ، وَالْعِلَلَ وَالْمَعْلُولَاتِ، سُلْطَانًا أَعْلَى عَلَى جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ، هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ- وَقَدْ بَسَطْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ- وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} أَيْ: أَشْهَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الذُّرِّيَّةِ الْمُتَسَلْسِلَةِ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا أَوْدَعَهُ فِي غَرِيزَتِهِ، وَاسْتِعْدَادِ عَقْلِهِ قَائِلًا قَوْلَ إِرَادَةٍ وَتَكْوِينٍ، لَا قَوْلَ وَحْيٍ وَتَلْقِينٍ، أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ فَقَالُوا كَذَلِكَ بِلُغَةِ الِاسْتِعْدَادِ وَلِسَانِ الْحَالِ، لَا بِلِسَانِ الْمَقَالِ: بَلَى أَنْتَ رَبُّنَا وَالْمُسْتَحِقُّ وَحْدَهُ لِعِبَادَتِنَا، فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ خَلْقِ السَّمَاءِ: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (41: 11) وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ التَّعْبِيرِ وَالْبَيَانِ يُسَمَّى فِي عُرْفِ عُلَمَاءِ الْبَلَاغَةِ بِالتَّمْثِيلِ، وَهُوَ أَعْلَى أَسَالِيبِ الْبَلَاغَةِ، وَشَوَاهِدُهُ فِي الْقُرْآنِ وَكَلَامِ الْبُلَغَاءِ كَثِيرَةٌ.
بَيَّنَ سُبْحَانَهُ سَبَبَ هَذَا الْإِشْهَادِ وَعِلَّتَهُ فَقَالَ: أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَيْ: فَعَلْنَا هَذَا مَنْعًا لِاعْتِذَارِكُمْ أَوِ احْتِجَاكِمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنْ تَقُولُوا: إِذَا أَنْتُمْ أَشْرَكْتُمْ بِهِ: إِنَّا كُنَّا غَافِلِينَ: عَنْ هَذَا التَّوْحِيدِ لِلرُّبُوبِيَّةِ، وَمَا يَسْتَلْزِمُهُ مِنْ تَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ بِعِبَادَةِ الرَّبِّ وَحْدَهُ. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ مِنْهُمُ الِاعْتِذَارَ بِالْجَهْلِ.
{أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} جَاهِلِينَ بِبُطْلَانِ شِرْكِهِمْ، فَلَمْ يَسَعْنَا إِلَّا الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ بِاخْتِرَاعِ الشِّرْكِ فَتَجْعَلُ عَذَابَنَا كَعَذَابِهِمْ، مَعَ عُذْرِنَا بِتَحْسِينِ الظَّنِّ بِهِمْ. وَالْمُرَادُ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ مِنْهُمُ الِاعْتِذَارَ بِتَقْلِيدِ آبَائِهِمْ وَأَجْدَادِهِمْ، كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمُ الِاعْتِذَارَ بِالْجَهْلِ، بَعْدَ مَا أَقَامَ عَلَيْهِمْ مِنْ حُجَّةِ الْفِطْرَةِ وَالْعَقْلِ.
{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أَيْ: وَبِمِثْلِ هَذَا التَّفْصِيلِ الْبَلِيغِ نُفَصِّلُ لِبَنِي آدَمَ الْآيَاتِ وَالدَّلَائِلَ؛ لِيَسْتَعْمِلُوا عُقُولَهُمْ، وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ بِهَا عَنْ جَهْلِهِمْ وَتَقْلِيدِهِمْ. وَالْآيَاتُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ بَعْثَةُ رَسُولٍ لَا يُعْذَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالشِّرْكِ بِاللهِ تَعَالَى، وَلَا بِفِعْلِ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ الَّتِي تُنَفِّرُ مِنْهَا الْفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ، وَتُدْرِكُ ضَرَرَهَا وَفَسَادَهَا الْعُقُولُ الْمُسْتَقِلَّةُ، وَإِنَّمَا يُعْذَرُونَ بِمُخَالَفَةِ هِدَايَةِ الرُّسُلِ فِيمَا شَأْنُهُ أَلَّا يُعْرَفَ إِلَّا مِنْهُمْ. وَهُوَ أَكْثَرُ الْعِبَادَاتِ التَّفْصِيلِيَّةِ.
هَذَا مَا يَتَبَادَرُ إِلَى الْفَهْمِ مِنَ الْآيَاتِ لِذَاتِهَا.
وَلَكِنْ وَرَدَ فِي أَخْذِ الذُّرِّيَّةِ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَإِشْهَادِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَحَادِيثُ وَآثَارٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُعْرَفَ إِلَّا مَنْ خَبَرِ الْوَحْيِ، وَقَدْ كَانَتْ مَوْضُوعَ بَحْثٍ وَمُنَاقَشَةٍ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ فَنُورِدُ أَمْثَلَ مَا قَالُوهُ فِيهَا. قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ لِهَذِهِ الْآيَةِ:
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ اسْتَخْرَجَ ذُرِّيَّةَ بَنِي آدَمَ مَنَّ أَصْلَابِهِمْ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّ اللهَ رَبُّهُمْ وَمَلِيكُهُمْ، وَأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، كَمَا أَنَّهُ تَعَالَى فَطَرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَجَبَلَهُمْ عَلَيْهِ. قَالَ تَعَالَى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ} (30: 30) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَفِي رِوَايَةٍ عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُولَدُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللهُ: إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ فَجَاءَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ»، وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ حَدَّثَهُمْ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سُرَيْعٍ مِنْ بُنِيَ سَعْدٍ قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَ غَزَوَاتٍ قَالَ: فَتَنَاوَلَ الْقَوْمُ الذُّرِّيَّةَ بَعْدَ مَا قَتَلُوا الْمُقَاتَلَةَ، فَبَلَغَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَاوَلُونَ الذُّرِّيَّةَ»؟ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَيْسُوا أَبْنَاءَ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ: «إِنَّ خِيَارَكُمْ أَبْنَاءُ الْمُشْرِكِينَ، أَلَّا إِنَّهَا لَيْسَتْ نَسْمَةٌ تُولَدُ إِلَّا وُلِدَتْ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَمَا تَزَالُ عَلَيْهَا حَتَّى يُبَيِّنُ عَنْهَا لِسَانُهَا، فَأَبَوَاهَا يُهَوِّدَانِهَا وَيُنَصِّرَانِهَا» قَالَ الْحَسَنُ: وَاللهِ لَقَدْ قَالَ اللهُ فِي كِتَابِهِ: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ الْآيَةَ. وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصَرِيِّ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ هُشَيْمِ بْنِ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْأَسْوَدُ بْنُ سُرَيْعٍ فَذَكَرَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَاسْتِحْضَارَهُ الْآيَةَ عِنْدَ ذَلِكَ.
وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي أَخْذِ الذُّرِّيَّةِ مِنْ صُلْبِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَتَمَيُّزِهِمْ إِلَى أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَصْحَابِ الشِّمَالِ، وَفِي بَعْضِهَا الِاسْتِشْهَادُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ اللهَ رَبُّهُمْ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عُمْرَانَ الْجَوْنَيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُقَالُ لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ أَكُنْتَ مُفْتَدِيًا بِهِ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ، قَدْ أَخَذْتُ عَلَيْكَ فِي ظَهْرِ آدَمَ أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي شَيْئًا فَأَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تُشْرِكَ بِي» أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ- يَعْنِي- ابْنَ حَازِمٍ عَنْ كُلْثُومِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ اللهَ أَخَذَ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهَرَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِنُعْمَانَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا فَنَثَرَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ كَلَّمَهُمْ فَتَلَا قَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا} إِلَى قَوْلِهِ: {الْمُبْطِلُونَ} وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ مِنْ سُنَنَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ صَاعِقَةَ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ بِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِهِ. إِلَّا أَنَّ ابْنَ أَبِي حَاتِمٍ جَعَلَهُ مَوْقُوفًا. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ كُلْثُومِ بْنِ جُبَيْرٍ بِهِ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَقَدِ احْتَجَّ مُسْلِمٌ بِكُلْثُومِ بْنِ جُبَيْرٍ هَكَذَا قَالَ، وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ كُلْثُومِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَقَفَهُ، وَكَذَا رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ وَوَكِيعٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كُلْثُومٍ عَنْ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ بِهِ، وَكَذَا رَوَاهُ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ وَعَلِيُّ بْنُ بِذِيمَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ، وَكَذَا رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَهَذَا أَكْثَرُ وَأَثْبَتُ وَاللهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ أَبِي هِلَالٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الضُّبَعِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَخْرَجَ اللهُ ذُرِّيَّةَ آدَمَ مِنْ ظَهْرِهِ كَهَيْئَةِ الذَّرِّ، وَهُوَ فِي أَذًى مِنَ الْمَاءِ. وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ عَنْ جُوَيْبِرٍ: مَاتَ ابْنُ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ ابْنَ سِتَّةِ أَيَّامٍ قَالَ: فَقَالَ يَا جَابِرُ إِذَا أَنْتِ وَضَعْتَ ابْنِي فِي لِحِدَّةِ فَأَبْرِزْ وَجْهَهُ، وَحِلَّ عَنْهُ عَقْدَهُ، فَإِنَّ ابْنَيْ مُجْلَسٌ وَمَسْئُولٌ، فَفَعَلْتُ الَّذِي بِهِ أَمَرَ، فَلَمَّا فَرَغْتُ قُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ عَمَّ يُسْأَلُ ابْنُكَ؟ مَنْ يَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؟ قَالَ: يُسْأَلُ عَنِ الْمِيثَاقِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ فِي صُلْبِ آدَمَ، قُلْتُ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ وَمَا هَذَا الْمِيثَاقُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ فِي صُلْبِ آدَمَ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ اللهَ مَسَحَ صُلْبَ آدَمَ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ كُلَّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَأَخَذَ مِنْهُمُ الْمِيثَاقَ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَتَكَفَّلَ لَهُمْ بِالْأَرْزَاقِ ثُمَّ أَعَادَهُمْ فِي صُلْبِهِ فَلَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ حَتَّى يُولَدَ مَنْ أَعْطَى الْمِيثَاقَ يَوْمَئِذٍ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْهُمُ الْمِيثَاقَ الْآخِرَ فَوَفَّى بِهِ نَفَعَهُ الْمِيثَاقُ الْأَوَّلُ، وَمَنْ أَدْرَكَ الْمِيثَاقَ الْآخِرَ فَلَمْ يُقِرَّ بِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ الْمِيثَاقُ الْأَوَّلُ، وَمَنْ مَاتَ صَغِيرًا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ الْمِيثَاقَ الْآخِرَ مَاتَ عَلَى الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَهَذِهِ الطُّرُقُ كُلُّهَا مِمَّا تُقَوِّي وَقْفَ هَذَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسِ وَاللهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي ظَبْيَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدِ عَنِ الْأَجْلَحِ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ قَالَ: «أَخَذَ مِنْ ظَهْرِهِ كَمَا يُؤْخَذُ بِالْمُشْطِ مِنَ الرَّأْسِ فَقَالَ لَهُمْ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ»، أَحْمَدُ بْنُ أَبِي ظَبْيَةَ هَذَا هُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُرْجَانِيُّ قَاضِي قُومَسَ، كَانَ أَحَدَ الزُّهَّادِ، أَخْرَجَ لَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ وَقَالَ: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَ بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ غَرَائِبَ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَوْلَهُ، وَكَذَا رَوَاهُ جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ بِهِ، وَهَذَا أَصَحُّ وَاللهُ أَعْلَمُ: حَدِيثٌ آخَرٌ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ هُوَ ابْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ، وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ أَنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَخْبَرَهُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى الْآيَةَ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ: إِنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً قَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ فَقَالَ: يَا رَسُولُ اللهِ فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا خَلَقَ اللهُ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِأَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ الْجَنَّةَ، وَإِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِأَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ النَّارَ» وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبَيِّ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ قُتَيْبَةِ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُوسَى عَنْ مَعْنٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبَدِ الْأَعْلَى عَنِ ابْنٍ وَهْبٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيِّ كُلُّهُمْ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ بِهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَمُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ لَمْ يَسْمَعْ عُمَرَ، وَكَذَا قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ، زَادَ أَبُو حَاتِمٍ وَبَيْنَهُمَا نُعَيْمُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُصَفَّى عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ جَعْثَمٍ الْقُرَشِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ فَذَكَرَهُ. وَقَالَ الْحَافِظُ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَقَدْ تَابَعَ عَمْرُو بْنُ جَعْثَمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ سِنَانٍ أَبُو فَرْوَةَ الرَّهَاوِيَّ، وَقَوْلُهُمَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ قَوْلٍ مَالِكٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ: قلت: الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا إِنَّمَا أَسْقَطَ ذِكْرَ نُعَيْمِ بْنِ رَبِيعَةَ لَمَّا جَهِلَ حَالَ نُعَيْمٍ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَلِذَلِكَ يُسْقِطُ ذِكْرَ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ لَا يَرْتَضِيهِمْ، وَلِهَذَا يُرْسِلُ كَثِيرًا مِنَ الْمَرْفُوعَاتِ، وَيَقْطَعُ كَثِيرًا مِنَ الْمَوْصُولَاتِ وَاللهُ أَعْلَمُ.